أقبل شهـر القرآن

أقبل شهـر القرآن
منذ 10 أشهر
306 مشاهدة

أقبل شهـر القرآن

د. محمد نور الدين

فضل الله سبحانه وتعالى بمنحنا مواسم للرجوع إليه

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي امتن على عباده بمواسم يرجعون فيها إليه، ويقبلون بقلوبهم عليه، فسبحانه من إله عظيم أنعم علينا وتفضل، وأسبغ عطاياه وأسبل، ومَن علينا وتكرم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، خير من صلى وصام، وخير من تهجد لله وقام، وخير من أطاع أمر ربه واستقام، وخير من استعد ليوم الزحام، فاللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ما توالت الليالي وتعاقبت الأيام، أما بعد:
شهر رمضان شهر القرآن:
من حكمة الله سبحانه وتعالى أنه فضل بعض الأزمنة علي بعض، وبعض الأوقات علي بعض، ومن الأوقات المفضَّلَة (شهر رمضان المبارك)، ذلكم الشهر الفضيل الذي خصه رب العالمين بالتشريف والتكريم وأنزل فيه القرآن العظيم، قال تعالى:{شهر رمضان الذي أُنزِل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان}.
فضل رمضان وشهر القرآن:
فرب العالمين سبحانه وتعالى قد أنزل القرآن في رمضان شهر الصيام، والصيام والقرآن يشتركان معا في الشفاعة للعبد يوم القيامة، قال النبي صلى الله عليه وسلم :«الصيام والقرآن يشفعان للعَبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب، منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال: فَيُشَفَّعَان»( )، وعن ابن عباس قال:«كان رسول الله  صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسَلَة»( ).  
فضل قراءة القرآن وتدبره
فإذا كان هذا حال النبي صلى الله عليه وسلم  في رمضان، فواجب علينا أن نقبل على القرآن تلاوة وحفظا وتدبرا، قال تعالى: {فاقرءوا ما تيسر من القرآن}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:«من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول {الم } حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف»( ). 
فالحرف الواحد من القرآن بحسنة، والحسنة بعشر أمثالها إلي سبعمائة ضعف, فلا تدَع أيها المسلم الشهر الكريم يمر عليك دون أن تختم القرآن الكريم على الأقل ختمتين، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه، اقرءوا الزهراوين (البقرةَ وسورةَ آل عمران)، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف، تُحَاجَّان عن أصحابهما، اقرءوا سورة البقرة، فإن أخذَها بركة، وتركهَا حسرة، ولا تستطيعُها البطَلة»( ).     
قال بعض العلماء:«من قرأ كل يوم صفحة من كتاب الله لم يُعَد من الذين اتخذوا هذا القرآن مهجورا»، فليشمر كل منا لنيل الثواب العظيم والأجر الكبير في رمضان شهر القرآن، فالقرآن خير في كل أحواله، نزل في شهر رمضان فأصبح خيرَ الشهور، ونزل في ليلة القدر فأصبحت خيرا من ألف شهر، فماذا لو نزل القرآن في قلوبنا ؟! قست قلوبنا وصارت لا تخشع ولا تتأثر عند تلاوة كلام ربنا، قال تعالى:{لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله}، قال أمير المؤمنين عثمان بن عفان:«لو أن قلوبنا طهُرت ما شبعنا من كلام ربنا، وإني لأكره أن يأتي عليَّ يوم لا أنظر في المصحف»( ). 
ولكن ما السر في الإقبال على القرآن في رمضان؟
لو تأملنا في سر العلاقة بين رمضان والإقبال على القرآن فمما سنقف عليه أن الصيام يهذِّب النفس البشرية فتتهيأ لاستقبال القرآن، ففي أيام الصيام تكون النفس هادئة مطمئنة بسبب تركها لفضول الطعام، وهذا يعني أن من أعظم ما يُعِين على فهم القرآن وتدبره التقلل من الفضول مثل: فضول الطعام، وفضول النظر، وفضول الخُلْطة مع الناس، وفضول السماع، فكلما زالت تلك الحواجز تهاوت الحُجُب بين القلب والقرآن، ولذلك كان رمضان الذي يتقلص فيه فضول الطعام والشراب والنكاح بالصيام، ويتقلص فيه فضول الخلطة والكلام بالاعتكاف هو شهر القرآن( ). 
فلنحرص على أن يكون لنا مجلسا يوميا مع القرآن الكريم في رمضان وبعد رمضان، قال النبي صلى الله عليه وسلم :«يقال لصاحب القرآن: اقرأ، وارق، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها»( ).
وفي الختام: أسأل الله تعالى أن يعيننا وإياكم على طاعته في رمضان، وأن يُشَفِّع فينا الصيام والقيام والقرآن، وأن يعتق رقابنا من النيران، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بقلم د. محمد نور الدين المدرس  بجامعة الازهر الشريف.
 

التعليقات