فضل القرآن الكريم وواجبنا نحوه

فضل القرآن الكريم وواجبنا نحوه
منذ سنة
618 مشاهدة

فضل القرآن الكريم وواجبنا نحوه

د. محمد نور الدين

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب، ونفى عنه الشك والارتياب، وأودعه من العلوم العجب العجاب، وجعله هدى للناس وبينات بأبلغ لسان وأوضح خطاب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب الأرباب، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه إلى يوم المآب، أما بعد:  

فإن من أعظم الدلائل البينات والآيات المعجزات التي أيد الله بها نبيه محمدا -صلى الله عليه وسلم-  القرآن الكريم، فهو العصمة الواقية، والنعمة الباقية، والحجة البالغة، والدلالة الدامغة، وهو منبع الهداية، وطريق السعادة، منه تُستنبَط الأحكام، وبه يُعرَف الحلال من الحرام، أنزله الله تعالى منهجا للعباد يحكمون به حياتهم، ويضبطون به تصرفاتهم ، ويطبقونه واقعا عمليا في جميع شؤونهم، وضمنه منهجا تربويا يقود من اتبعه إلى سعادة الدارين، فكل سعادة تُنال في الدنيا والآخرة فسببها الاهتداء به واتباعه، قال تعالى فيه: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}. (المائدة: 16)

القرآن الكريم أنزله ربنا سبحانه وتعالى رحمة للعالمين، وحجة على الخلق أجمعين، ومعجزة باقية لسيد الأولين والآخرين، أعزَّ الله مكانَه، ورفع سلطانَه، ووزن الناسَ بميزانِه، من رفعه رفعه الله، ومن وضعه وضعه الله، قال النبي-صلى الله عليه وسلم-:«إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين».   صحيح مسلم (1/ 559، ح: 817) عن عمر بن الخطاب      

حثنا ربنا سبحانه وتعالى على قراءة ما تيسر منه فقال: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}.

وحثنا النبي -صلى الله عليه وسلم- على تلاوته فقال: "اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه".  صحيح مسلم (1/ 553، ح: 804) عن أبي أمامة الباهلي   

والقلب الذي لا يعي شيئا من القرآن الكريم قلب مخذول محروم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:«إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخَرِب».  سنن الترمذي (5/ 177، ح: 2913 )، قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح»     

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول (الم )حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف».    سنن الترمذي (5/175، ح: 2910)، قال الترمذي:«هذا حديث حسن صحيح»         

هذه بعض فضائل القرآن الكريم، وفضائله عظيمة أكثر من أن تحصى.


فما واجبنا نحو القرآن الكريم؟
 واجبنا نحوه كبير ، سأكتفي هنا بذكر ثلاثة عناصر فقط.

أولا- تعاهد القرآن واستذكاره

من أهم حقوق القرآن علينا تعاهده واستذكاره خوفًا من ضياعه ونسيانه، وقد حث النبي -صلى الله عليه وسلم- على تعاهد القرآن الكريم وضرب لذلك مثلًا رائعًا فقال:«تعاهَدُوا هذا القرآن، فوالذي نفسُ محمدٍ بيده لهو أشدُّ تفلُّتا من الإبل في عُقُلِهَا».    صحيح مسلم (1/ 545، ح: 791) عن أبي موسى الأشعري.  

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-:«إنما مَثَل صاحبِ القرآنِ كمَثَل صاحب الإبل المعقَّلَة، إن عاهد عليها أمسكَهَا وإن أطلقها ذهَبَتْ».    صحيح البخاري (6/ 193، ح: 5031) 

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (9/ 79):«فما زال التعاهد موجودا فالحفظ موجود، كما أن البعير ما دام مشدودا بالعقال فهو محفوظ، وخص الإبل بالذكر لأنها أشد الحيوان الإنسي نفورا، وفي تحصيلها بعد استمكان نفورها صعوبة». 

وقال ابن عبد البر في الاستذكار (2/ 487):«في هذا الحديث الحض على درس القرآن وتعاهده، والمواظبة على تلاوته، والتحذير من نسيانه بعد حفظه». 

فينبغي على كل مسلم أن يجعل له وردًا ثابتًا كل يوم من القرآن، فكما أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش بدون طعام أو شراب، فكذلك لا بد له من غذاء روحي يومي، ألا وهو القرآن الكريم.

كثير من الناس للأسف يقضون أوقاتًا طويلة في تصفح شبكة التواصل الاجتماعي، وقد يقومون ليلهم مع الفيس بتلهف واهتمام! فلماذا لا يحظى كتاب الله بمثل هذا الاهتمام؟!

لا يصح لمسلم أن يحفظ كلام الله ثم ينساه، ومما يعين على الحفظ كثرة المراجعة، ومعرفة تفسير الآيات وسبب نزولها، والصلاة بما تحفظ خاصة في قيام الليل.

ثانيا- تعلُّم القرآن وتعليمه

فالواجب على الجميع تعلُّم القرآن الكريم وتعليمه تلاوة وأحكاما وتجويدا وتفسيرا وإعجازا،  وهذا الأمر ليس صعبا، فمعظم الناس قد يتعلمون الإنجليزية أو الفرنسية، فلماذا يصعب عليهم تعلُّم القرآن الذي نزل بلغتهم؟! ولماذا يصير كلام الله صعبا عليك! وقد قال الله عنه:{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}.   سورة:(القمر)، الآية:(17)  

فعليك أن تتعلم القرآن وتُعلِّمه لتكون خير الناس وأفضلهم، قال النبي-صلى الله عليه وسلم-:«خيركم من تعلم القرآن وعلَّمه». صحيح البخاري (6/ 192، ح: 5027) 

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (9/ 76):«ولا شك أن الجامع بين تعلُّم القرآن وتعليمه مكمِّل لنفسه ولغيره، جامع بين النفع القاصر والنفع المتعدِّي، ولهذا كان أفضل».  

ولهذا رغب النبي -صلى الله عليه وسلم- الصحابة في تعلُّم وتعليم القرآن وصور ذلك تصويرا بليغا، فعن عقبة بن عامر قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن في الصُّفة فقال:«أيُّكم يحب أن يغدوَ كلَّ يوم إلى بطحانَ أو إلى العقيق، فيأتي منه بناقتين كَوْمَاوين في غير إثم ولا قطع رحم؟» فقلنا: يا رسول الله نحب ذلك، قال:«أفلا يغدو أحدُكم إلى المسجد فيعلمُ أو يقرأُ آيتين من كتاب الله عز وجل؟ خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع، ومِن  أعدادهن من الإبل». صحيح مسلم (1/ 552، ح: 803). فمن منا يعزف عن هذا الفضل الكبير وهذا الكرم العظيم؟! 

ثالثًا- العمل بالقرآن

وهذا من أهم واجباتنا نحو القرآن، أن نعمل بكل ما جاء فيه، وأن نتخلق بأخلاقه اقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- الذي كان خُلُقه القرآن. قال الإمام الشاطبي في الاعتصام (2/ 854): "وإنما «كان خُلُقه القرآن» لأنه حكَّم الوحي على نفسه حتى صار في علمه وعمله على وَفْقِه، فكان الوحي حاكما وافقا قائلا، وكان هو عليه الصلاة والسلام مذعنا ملبِّيًا نداءه واقفا عند حكمه، وهذه الخاصية كانت من أعظم الأدلة على صدقه فيما جاء به". 

قال الفضيل:«إنما نزل القرآن ليعُمَل به، فاتخَذ الناس قراءته عملا، قيل: كيف العمل به؟ قال: أي ليُحِلُّوا حلاله ويُحرِّموا حرامه، ويأتمروا بأوامره وينتهوا عن نواهيه، ويقِفُوا عند عجائبه».  اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي (ص: 76) 

فأهل القرآن -نسأل الله أن يجعلنا منهم- هم العالمون به والعاملون بما فيه، لا بمجرد إقامة الحروف.

فعلينا أن نُقبِل على كتاب ربنا سبحانه وتعالى لننهلَ منه، ولنستنيرَ به في الظلمات، ولا نكون من الهاجرين له المعرضين عنه..

 

أَكْــرِمْ بقــومٍ أَكْرَمُـــوا القُرآنـــا                          وَهَبُـوا لَــهُ الأرواحَ والأَبْـدَانــا

قـومٌ قـد اختــارَ الإلــهُ قلوبَهُــمْ                        لِتَصِيرَ مِنْ غَرْسِ الهُـدى بُسْتَانـا

   زُرِعَتْ حُروفُ النورِ بينَ شِفَاهِهِمْ                   فَتَضَوَّعَتْ مِسْكًـا يَفِيـضُ بَيَانَـا

رَفَعُوا كِتابَ اللهِ فـوقَ رُؤوسِهِــمْ                     لِيَكُونَ نُـورًا في الظــلامِ فَكَانــا

سُبحانَ مَنْ وَهَبَ الأُجورَ لأهْلِهَـا                    وَهَدى القُلُوبَ وَعَلَّـمَ الإنسانـا

أسأل الله تعالى أن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، وجلاء همومنا وأحزاننا، وأن يرزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيه عنا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
              

   بقلم الدكتور محمد فضل نور الدين 
 مدرس التفسير وعلوم القرآن بكلية أصول الدين جامعة الأزهر
دكتوراة في التفسير وعلوم القرآن الكريم بتقدير مرتبة الشرف الأولى
إجازة في القراءات العشر الصغرى من طريقي الشاطبية والدرة.

مقالات  ذات صلة
تعلم القرآن الكريم عن بُعد مع أكاديمية تواقة؟
كيف أحفظ القرآن الكريم مع ضيق الوقت؟
فضل تلاوة القرآن الكريم
ما معنى تواقة؟
فضل القرآن العظيم
الإمام نافع المدني
مقدمة عن القراءات القرآنية
آداب تلاوة القرآن الكريم

التعليقات


  • علي محمد محمود محمد
    علي محمد محمود محمد

    بارك الله فيك شيخنا الكريم وزادك فضلا وعلما

    منذ سنة
  • أيمن أنور محمد الغنام
    أيمن أنور محمد الغنام

    بارك الله فيك يا شيخنا وجزاكم الله خيرا. اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، وجلاء همومنا وأحزاننا، وأرزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا.

    منذ سنة
  • د. جمال ابراهيم عطا
    د. جمال ابراهيم عطا

    ما شاء الله لا قوة إلا بالله ، نفع الله بكم وجزاكم خيرا

    منذ 11 شهر

مقالات ذات صلة

منذ سنة

فضل القرآن الكريم وواجبنا نحوه

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب، ونفى عنه الشك والارتياب، وأودعه من العلوم العجب العجاب، وجعله هدى للناس وبينات بأبلغ لسان وأوضح خطاب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب الأرباب، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه إلى يوم المآب، أما بعد:  

فإن من أعظم الدلائل البينات والآيات المعجزات التي أيد الله بها نبيه محمدا -صلى الله عليه وسلم-  القرآن الكريم، فهو العصمة الواقية، والنعمة الباقية، والحجة البالغة، والدلالة الدامغة، وهو منبع الهداية، وطريق السعادة، منه تُستنبَط الأحكام، وبه يُعرَف الحلال من الحرام، أنزله الله تعالى منهجا للعباد يحكمون به حياتهم، ويضبطون به تصرفاتهم ، ويطبقونه واقعا عمليا في جميع شؤونهم، وضمنه منهجا تربويا يقود من اتبعه إلى سعادة الدارين، فكل سعادة تُنال في الدنيا والآخرة فسببها الاهتداء به واتباعه، قال تعالى فيه: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}. (المائدة: 16)

القرآن الكريم أنزله ربنا سبحانه وتعالى رحمة للعالمين، وحجة على الخلق أجمعين، ومعجزة باقية لسيد الأولين والآخرين، أعزَّ الله مكانَه، ورفع سلطانَه، ووزن الناسَ بميزانِه، من رفعه رفعه الله، ومن وضعه وضعه الله، قال النبي-صلى الله عليه وسلم-:«إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين».   صحيح مسلم (1/ 559، ح: 817) عن عمر بن الخطاب      

حثنا ربنا سبحانه وتعالى على قراءة ما تيسر منه فقال: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}.

وحثنا النبي -صلى الله عليه وسلم- على تلاوته فقال: "اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه".  صحيح مسلم (1/ 553، ح: 804) عن أبي أمامة الباهلي   

والقلب الذي لا يعي شيئا من القرآن الكريم قلب مخذول محروم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:«إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخَرِب».  سنن الترمذي (5/ 177، ح: 2913 )، قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح»     

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول (الم )حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف».    سنن الترمذي (5/175، ح: 2910)، قال الترمذي:«هذا حديث حسن صحيح»         

هذه بعض فضائل القرآن الكريم، وفضائله عظيمة أكثر من أن تحصى.


فما واجبنا نحو القرآن الكريم؟
 واجبنا نحوه كبير ، سأكتفي هنا بذكر ثلاثة عناصر فقط.

أولا- تعاهد القرآن واستذكاره

من أهم حقوق القرآن علينا تعاهده واستذكاره خوفًا من ضياعه ونسيانه، وقد حث النبي -صلى الله عليه وسلم- على تعاهد القرآن الكريم وضرب لذلك مثلًا رائعًا فقال:«تعاهَدُوا هذا القرآن، فوالذي نفسُ محمدٍ بيده لهو أشدُّ تفلُّتا من الإبل في عُقُلِهَا».    صحيح مسلم (1/ 545، ح: 791) عن أبي موسى الأشعري.  

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-:«إنما مَثَل صاحبِ القرآنِ كمَثَل صاحب الإبل المعقَّلَة، إن عاهد عليها أمسكَهَا وإن أطلقها ذهَبَتْ».    صحيح البخاري (6/ 193، ح: 5031) 

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (9/ 79):«فما زال التعاهد موجودا فالحفظ موجود، كما أن البعير ما دام مشدودا بالعقال فهو محفوظ، وخص الإبل بالذكر لأنها أشد الحيوان الإنسي نفورا، وفي تحصيلها بعد استمكان نفورها صعوبة». 

وقال ابن عبد البر في الاستذكار (2/ 487):«في هذا الحديث الحض على درس القرآن وتعاهده، والمواظبة على تلاوته، والتحذير من نسيانه بعد حفظه». 

فينبغي على كل مسلم أن يجعل له وردًا ثابتًا كل يوم من القرآن، فكما أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش بدون طعام أو شراب، فكذلك لا بد له من غذاء روحي يومي، ألا وهو القرآن الكريم.

كثير من الناس للأسف يقضون أوقاتًا طويلة في تصفح شبكة التواصل الاجتماعي، وقد يقومون ليلهم مع الفيس بتلهف واهتمام! فلماذا لا يحظى كتاب الله بمثل هذا الاهتمام؟!

لا يصح لمسلم أن يحفظ كلام الله ثم ينساه، ومما يعين على الحفظ كثرة المراجعة، ومعرفة تفسير الآيات وسبب نزولها، والصلاة بما تحفظ خاصة في قيام الليل.

ثانيا- تعلُّم القرآن وتعليمه

فالواجب على الجميع تعلُّم القرآن الكريم وتعليمه تلاوة وأحكاما وتجويدا وتفسيرا وإعجازا،  وهذا الأمر ليس صعبا، فمعظم الناس قد يتعلمون الإنجليزية أو الفرنسية، فلماذا يصعب عليهم تعلُّم القرآن الذي نزل بلغتهم؟! ولماذا يصير كلام الله صعبا عليك! وقد قال الله عنه:{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}.   سورة:(القمر)، الآية:(17)  

فعليك أن تتعلم القرآن وتُعلِّمه لتكون خير الناس وأفضلهم، قال النبي-صلى الله عليه وسلم-:«خيركم من تعلم القرآن وعلَّمه». صحيح البخاري (6/ 192، ح: 5027) 

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (9/ 76):«ولا شك أن الجامع بين تعلُّم القرآن وتعليمه مكمِّل لنفسه ولغيره، جامع بين النفع القاصر والنفع المتعدِّي، ولهذا كان أفضل».  

ولهذا رغب النبي -صلى الله عليه وسلم- الصحابة في تعلُّم وتعليم القرآن وصور ذلك تصويرا بليغا، فعن عقبة بن عامر قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن في الصُّفة فقال:«أيُّكم يحب أن يغدوَ كلَّ يوم إلى بطحانَ أو إلى العقيق، فيأتي منه بناقتين كَوْمَاوين في غير إثم ولا قطع رحم؟» فقلنا: يا رسول الله نحب ذلك، قال:«أفلا يغدو أحدُكم إلى المسجد فيعلمُ أو يقرأُ آيتين من كتاب الله عز وجل؟ خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع، ومِن  أعدادهن من الإبل». صحيح مسلم (1/ 552، ح: 803). فمن منا يعزف عن هذا الفضل الكبير وهذا الكرم العظيم؟! 

ثالثًا- العمل بالقرآن

وهذا من أهم واجباتنا نحو القرآن، أن نعمل بكل ما جاء فيه، وأن نتخلق بأخلاقه اقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- الذي كان خُلُقه القرآن. قال الإمام الشاطبي في الاعتصام (2/ 854): "وإنما «كان خُلُقه القرآن» لأنه حكَّم الوحي على نفسه حتى صار في علمه وعمله على وَفْقِه، فكان الوحي حاكما وافقا قائلا، وكان هو عليه الصلاة والسلام مذعنا ملبِّيًا نداءه واقفا عند حكمه، وهذه الخاصية كانت من أعظم الأدلة على صدقه فيما جاء به". 

قال الفضيل:«إنما نزل القرآن ليعُمَل به، فاتخَذ الناس قراءته عملا، قيل: كيف العمل به؟ قال: أي ليُحِلُّوا حلاله ويُحرِّموا حرامه، ويأتمروا بأوامره وينتهوا عن نواهيه، ويقِفُوا عند عجائبه».  اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي (ص: 76) 

فأهل القرآن -نسأل الله أن يجعلنا منهم- هم العالمون به والعاملون بما فيه، لا بمجرد إقامة الحروف.

فعلينا أن نُقبِل على كتاب ربنا سبحانه وتعالى لننهلَ منه، ولنستنيرَ به في الظلمات، ولا نكون من الهاجرين له المعرضين عنه..

 

أَكْــرِمْ بقــومٍ أَكْرَمُـــوا القُرآنـــا                          وَهَبُـوا لَــهُ الأرواحَ والأَبْـدَانــا

قـومٌ قـد اختــارَ الإلــهُ قلوبَهُــمْ                        لِتَصِيرَ مِنْ غَرْسِ الهُـدى بُسْتَانـا

   زُرِعَتْ حُروفُ النورِ بينَ شِفَاهِهِمْ                   فَتَضَوَّعَتْ مِسْكًـا يَفِيـضُ بَيَانَـا

رَفَعُوا كِتابَ اللهِ فـوقَ رُؤوسِهِــمْ                     لِيَكُونَ نُـورًا في الظــلامِ فَكَانــا

سُبحانَ مَنْ وَهَبَ الأُجورَ لأهْلِهَـا                    وَهَدى القُلُوبَ وَعَلَّـمَ الإنسانـا

أسأل الله تعالى أن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، وجلاء همومنا وأحزاننا، وأن يرزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيه عنا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
              

   بقلم الدكتور محمد فضل نور الدين 
 مدرس التفسير وعلوم القرآن بكلية أصول الدين جامعة الأزهر
دكتوراة في التفسير وعلوم القرآن الكريم بتقدير مرتبة الشرف الأولى
إجازة في القراءات العشر الصغرى من طريقي الشاطبية والدرة.

مقالات  ذات صلة
تعلم القرآن الكريم عن بُعد مع أكاديمية تواقة؟
كيف أحفظ القرآن الكريم مع ضيق الوقت؟
فضل تلاوة القرآن الكريم
ما معنى تواقة؟
فضل القرآن العظيم
الإمام نافع المدني
مقدمة عن القراءات القرآنية
آداب تلاوة القرآن الكريم

أكمل القراءة
منذ سنة

فضل القرآن الكريم وواجبنا نحوه

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب، ونفى عنه الشك والارتياب، وأودعه من العلوم العجب العجاب، وجعله هدى للناس وبينات بأبلغ لسان وأوضح خطاب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب الأرباب، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه إلى يوم المآب، أما بعد:  

فإن من أعظم الدلائل البينات والآيات المعجزات التي أيد الله بها نبيه محمدا -صلى الله عليه وسلم-  القرآن الكريم، فهو العصمة الواقية، والنعمة الباقية، والحجة البالغة، والدلالة الدامغة، وهو منبع الهداية، وطريق السعادة، منه تُستنبَط الأحكام، وبه يُعرَف الحلال من الحرام، أنزله الله تعالى منهجا للعباد يحكمون به حياتهم، ويضبطون به تصرفاتهم ، ويطبقونه واقعا عمليا في جميع شؤونهم، وضمنه منهجا تربويا يقود من اتبعه إلى سعادة الدارين، فكل سعادة تُنال في الدنيا والآخرة فسببها الاهتداء به واتباعه، قال تعالى فيه: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}. (المائدة: 16)

القرآن الكريم أنزله ربنا سبحانه وتعالى رحمة للعالمين، وحجة على الخلق أجمعين، ومعجزة باقية لسيد الأولين والآخرين، أعزَّ الله مكانَه، ورفع سلطانَه، ووزن الناسَ بميزانِه، من رفعه رفعه الله، ومن وضعه وضعه الله، قال النبي-صلى الله عليه وسلم-:«إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين».   صحيح مسلم (1/ 559، ح: 817) عن عمر بن الخطاب      

حثنا ربنا سبحانه وتعالى على قراءة ما تيسر منه فقال: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}.

وحثنا النبي -صلى الله عليه وسلم- على تلاوته فقال: "اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه".  صحيح مسلم (1/ 553، ح: 804) عن أبي أمامة الباهلي   

والقلب الذي لا يعي شيئا من القرآن الكريم قلب مخذول محروم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:«إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخَرِب».  سنن الترمذي (5/ 177، ح: 2913 )، قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح»     

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول (الم )حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف».    سنن الترمذي (5/175، ح: 2910)، قال الترمذي:«هذا حديث حسن صحيح»         

هذه بعض فضائل القرآن الكريم، وفضائله عظيمة أكثر من أن تحصى.


فما واجبنا نحو القرآن الكريم؟
 واجبنا نحوه كبير ، سأكتفي هنا بذكر ثلاثة عناصر فقط.

أولا- تعاهد القرآن واستذكاره

من أهم حقوق القرآن علينا تعاهده واستذكاره خوفًا من ضياعه ونسيانه، وقد حث النبي -صلى الله عليه وسلم- على تعاهد القرآن الكريم وضرب لذلك مثلًا رائعًا فقال:«تعاهَدُوا هذا القرآن، فوالذي نفسُ محمدٍ بيده لهو أشدُّ تفلُّتا من الإبل في عُقُلِهَا».    صحيح مسلم (1/ 545، ح: 791) عن أبي موسى الأشعري.  

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-:«إنما مَثَل صاحبِ القرآنِ كمَثَل صاحب الإبل المعقَّلَة، إن عاهد عليها أمسكَهَا وإن أطلقها ذهَبَتْ».    صحيح البخاري (6/ 193، ح: 5031) 

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (9/ 79):«فما زال التعاهد موجودا فالحفظ موجود، كما أن البعير ما دام مشدودا بالعقال فهو محفوظ، وخص الإبل بالذكر لأنها أشد الحيوان الإنسي نفورا، وفي تحصيلها بعد استمكان نفورها صعوبة». 

وقال ابن عبد البر في الاستذكار (2/ 487):«في هذا الحديث الحض على درس القرآن وتعاهده، والمواظبة على تلاوته، والتحذير من نسيانه بعد حفظه». 

فينبغي على كل مسلم أن يجعل له وردًا ثابتًا كل يوم من القرآن، فكما أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش بدون طعام أو شراب، فكذلك لا بد له من غذاء روحي يومي، ألا وهو القرآن الكريم.

كثير من الناس للأسف يقضون أوقاتًا طويلة في تصفح شبكة التواصل الاجتماعي، وقد يقومون ليلهم مع الفيس بتلهف واهتمام! فلماذا لا يحظى كتاب الله بمثل هذا الاهتمام؟!

لا يصح لمسلم أن يحفظ كلام الله ثم ينساه، ومما يعين على الحفظ كثرة المراجعة، ومعرفة تفسير الآيات وسبب نزولها، والصلاة بما تحفظ خاصة في قيام الليل.

ثانيا- تعلُّم القرآن وتعليمه

فالواجب على الجميع تعلُّم القرآن الكريم وتعليمه تلاوة وأحكاما وتجويدا وتفسيرا وإعجازا،  وهذا الأمر ليس صعبا، فمعظم الناس قد يتعلمون الإنجليزية أو الفرنسية، فلماذا يصعب عليهم تعلُّم القرآن الذي نزل بلغتهم؟! ولماذا يصير كلام الله صعبا عليك! وقد قال الله عنه:{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}.   سورة:(القمر)، الآية:(17)  

فعليك أن تتعلم القرآن وتُعلِّمه لتكون خير الناس وأفضلهم، قال النبي-صلى الله عليه وسلم-:«خيركم من تعلم القرآن وعلَّمه». صحيح البخاري (6/ 192، ح: 5027) 

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (9/ 76):«ولا شك أن الجامع بين تعلُّم القرآن وتعليمه مكمِّل لنفسه ولغيره، جامع بين النفع القاصر والنفع المتعدِّي، ولهذا كان أفضل».  

ولهذا رغب النبي -صلى الله عليه وسلم- الصحابة في تعلُّم وتعليم القرآن وصور ذلك تصويرا بليغا، فعن عقبة بن عامر قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن في الصُّفة فقال:«أيُّكم يحب أن يغدوَ كلَّ يوم إلى بطحانَ أو إلى العقيق، فيأتي منه بناقتين كَوْمَاوين في غير إثم ولا قطع رحم؟» فقلنا: يا رسول الله نحب ذلك، قال:«أفلا يغدو أحدُكم إلى المسجد فيعلمُ أو يقرأُ آيتين من كتاب الله عز وجل؟ خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع، ومِن  أعدادهن من الإبل». صحيح مسلم (1/ 552، ح: 803). فمن منا يعزف عن هذا الفضل الكبير وهذا الكرم العظيم؟! 

ثالثًا- العمل بالقرآن

وهذا من أهم واجباتنا نحو القرآن، أن نعمل بكل ما جاء فيه، وأن نتخلق بأخلاقه اقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- الذي كان خُلُقه القرآن. قال الإمام الشاطبي في الاعتصام (2/ 854): "وإنما «كان خُلُقه القرآن» لأنه حكَّم الوحي على نفسه حتى صار في علمه وعمله على وَفْقِه، فكان الوحي حاكما وافقا قائلا، وكان هو عليه الصلاة والسلام مذعنا ملبِّيًا نداءه واقفا عند حكمه، وهذه الخاصية كانت من أعظم الأدلة على صدقه فيما جاء به". 

قال الفضيل:«إنما نزل القرآن ليعُمَل به، فاتخَذ الناس قراءته عملا، قيل: كيف العمل به؟ قال: أي ليُحِلُّوا حلاله ويُحرِّموا حرامه، ويأتمروا بأوامره وينتهوا عن نواهيه، ويقِفُوا عند عجائبه».  اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي (ص: 76) 

فأهل القرآن -نسأل الله أن يجعلنا منهم- هم العالمون به والعاملون بما فيه، لا بمجرد إقامة الحروف.

فعلينا أن نُقبِل على كتاب ربنا سبحانه وتعالى لننهلَ منه، ولنستنيرَ به في الظلمات، ولا نكون من الهاجرين له المعرضين عنه..

 

أَكْــرِمْ بقــومٍ أَكْرَمُـــوا القُرآنـــا                          وَهَبُـوا لَــهُ الأرواحَ والأَبْـدَانــا

قـومٌ قـد اختــارَ الإلــهُ قلوبَهُــمْ                        لِتَصِيرَ مِنْ غَرْسِ الهُـدى بُسْتَانـا

   زُرِعَتْ حُروفُ النورِ بينَ شِفَاهِهِمْ                   فَتَضَوَّعَتْ مِسْكًـا يَفِيـضُ بَيَانَـا

رَفَعُوا كِتابَ اللهِ فـوقَ رُؤوسِهِــمْ                     لِيَكُونَ نُـورًا في الظــلامِ فَكَانــا

سُبحانَ مَنْ وَهَبَ الأُجورَ لأهْلِهَـا                    وَهَدى القُلُوبَ وَعَلَّـمَ الإنسانـا

أسأل الله تعالى أن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، وجلاء همومنا وأحزاننا، وأن يرزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيه عنا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
              

   بقلم الدكتور محمد فضل نور الدين 
 مدرس التفسير وعلوم القرآن بكلية أصول الدين جامعة الأزهر
دكتوراة في التفسير وعلوم القرآن الكريم بتقدير مرتبة الشرف الأولى
إجازة في القراءات العشر الصغرى من طريقي الشاطبية والدرة.

مقالات  ذات صلة
تعلم القرآن الكريم عن بُعد مع أكاديمية تواقة؟
كيف أحفظ القرآن الكريم مع ضيق الوقت؟
فضل تلاوة القرآن الكريم
ما معنى تواقة؟
فضل القرآن العظيم
الإمام نافع المدني
مقدمة عن القراءات القرآنية
آداب تلاوة القرآن الكريم

أكمل القراءة
منذ سنة

فضل القرآن الكريم وواجبنا نحوه

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب، ونفى عنه الشك والارتياب، وأودعه من العلوم العجب العجاب، وجعله هدى للناس وبينات بأبلغ لسان وأوضح خطاب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب الأرباب، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه إلى يوم المآب، أما بعد:  

فإن من أعظم الدلائل البينات والآيات المعجزات التي أيد الله بها نبيه محمدا -صلى الله عليه وسلم-  القرآن الكريم، فهو العصمة الواقية، والنعمة الباقية، والحجة البالغة، والدلالة الدامغة، وهو منبع الهداية، وطريق السعادة، منه تُستنبَط الأحكام، وبه يُعرَف الحلال من الحرام، أنزله الله تعالى منهجا للعباد يحكمون به حياتهم، ويضبطون به تصرفاتهم ، ويطبقونه واقعا عمليا في جميع شؤونهم، وضمنه منهجا تربويا يقود من اتبعه إلى سعادة الدارين، فكل سعادة تُنال في الدنيا والآخرة فسببها الاهتداء به واتباعه، قال تعالى فيه: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}. (المائدة: 16)

القرآن الكريم أنزله ربنا سبحانه وتعالى رحمة للعالمين، وحجة على الخلق أجمعين، ومعجزة باقية لسيد الأولين والآخرين، أعزَّ الله مكانَه، ورفع سلطانَه، ووزن الناسَ بميزانِه، من رفعه رفعه الله، ومن وضعه وضعه الله، قال النبي-صلى الله عليه وسلم-:«إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين».   صحيح مسلم (1/ 559، ح: 817) عن عمر بن الخطاب      

حثنا ربنا سبحانه وتعالى على قراءة ما تيسر منه فقال: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}.

وحثنا النبي -صلى الله عليه وسلم- على تلاوته فقال: "اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه".  صحيح مسلم (1/ 553، ح: 804) عن أبي أمامة الباهلي   

والقلب الذي لا يعي شيئا من القرآن الكريم قلب مخذول محروم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:«إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخَرِب».  سنن الترمذي (5/ 177، ح: 2913 )، قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح»     

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول (الم )حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف».    سنن الترمذي (5/175، ح: 2910)، قال الترمذي:«هذا حديث حسن صحيح»         

هذه بعض فضائل القرآن الكريم، وفضائله عظيمة أكثر من أن تحصى.


فما واجبنا نحو القرآن الكريم؟
 واجبنا نحوه كبير ، سأكتفي هنا بذكر ثلاثة عناصر فقط.

أولا- تعاهد القرآن واستذكاره

من أهم حقوق القرآن علينا تعاهده واستذكاره خوفًا من ضياعه ونسيانه، وقد حث النبي -صلى الله عليه وسلم- على تعاهد القرآن الكريم وضرب لذلك مثلًا رائعًا فقال:«تعاهَدُوا هذا القرآن، فوالذي نفسُ محمدٍ بيده لهو أشدُّ تفلُّتا من الإبل في عُقُلِهَا».    صحيح مسلم (1/ 545، ح: 791) عن أبي موسى الأشعري.  

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-:«إنما مَثَل صاحبِ القرآنِ كمَثَل صاحب الإبل المعقَّلَة، إن عاهد عليها أمسكَهَا وإن أطلقها ذهَبَتْ».    صحيح البخاري (6/ 193، ح: 5031) 

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (9/ 79):«فما زال التعاهد موجودا فالحفظ موجود، كما أن البعير ما دام مشدودا بالعقال فهو محفوظ، وخص الإبل بالذكر لأنها أشد الحيوان الإنسي نفورا، وفي تحصيلها بعد استمكان نفورها صعوبة». 

وقال ابن عبد البر في الاستذكار (2/ 487):«في هذا الحديث الحض على درس القرآن وتعاهده، والمواظبة على تلاوته، والتحذير من نسيانه بعد حفظه». 

فينبغي على كل مسلم أن يجعل له وردًا ثابتًا كل يوم من القرآن، فكما أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش بدون طعام أو شراب، فكذلك لا بد له من غذاء روحي يومي، ألا وهو القرآن الكريم.

كثير من الناس للأسف يقضون أوقاتًا طويلة في تصفح شبكة التواصل الاجتماعي، وقد يقومون ليلهم مع الفيس بتلهف واهتمام! فلماذا لا يحظى كتاب الله بمثل هذا الاهتمام؟!

لا يصح لمسلم أن يحفظ كلام الله ثم ينساه، ومما يعين على الحفظ كثرة المراجعة، ومعرفة تفسير الآيات وسبب نزولها، والصلاة بما تحفظ خاصة في قيام الليل.

ثانيا- تعلُّم القرآن وتعليمه

فالواجب على الجميع تعلُّم القرآن الكريم وتعليمه تلاوة وأحكاما وتجويدا وتفسيرا وإعجازا،  وهذا الأمر ليس صعبا، فمعظم الناس قد يتعلمون الإنجليزية أو الفرنسية، فلماذا يصعب عليهم تعلُّم القرآن الذي نزل بلغتهم؟! ولماذا يصير كلام الله صعبا عليك! وقد قال الله عنه:{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}.   سورة:(القمر)، الآية:(17)  

فعليك أن تتعلم القرآن وتُعلِّمه لتكون خير الناس وأفضلهم، قال النبي-صلى الله عليه وسلم-:«خيركم من تعلم القرآن وعلَّمه». صحيح البخاري (6/ 192، ح: 5027) 

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (9/ 76):«ولا شك أن الجامع بين تعلُّم القرآن وتعليمه مكمِّل لنفسه ولغيره، جامع بين النفع القاصر والنفع المتعدِّي، ولهذا كان أفضل».  

ولهذا رغب النبي -صلى الله عليه وسلم- الصحابة في تعلُّم وتعليم القرآن وصور ذلك تصويرا بليغا، فعن عقبة بن عامر قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن في الصُّفة فقال:«أيُّكم يحب أن يغدوَ كلَّ يوم إلى بطحانَ أو إلى العقيق، فيأتي منه بناقتين كَوْمَاوين في غير إثم ولا قطع رحم؟» فقلنا: يا رسول الله نحب ذلك، قال:«أفلا يغدو أحدُكم إلى المسجد فيعلمُ أو يقرأُ آيتين من كتاب الله عز وجل؟ خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع، ومِن  أعدادهن من الإبل». صحيح مسلم (1/ 552، ح: 803). فمن منا يعزف عن هذا الفضل الكبير وهذا الكرم العظيم؟! 

ثالثًا- العمل بالقرآن

وهذا من أهم واجباتنا نحو القرآن، أن نعمل بكل ما جاء فيه، وأن نتخلق بأخلاقه اقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- الذي كان خُلُقه القرآن. قال الإمام الشاطبي في الاعتصام (2/ 854): "وإنما «كان خُلُقه القرآن» لأنه حكَّم الوحي على نفسه حتى صار في علمه وعمله على وَفْقِه، فكان الوحي حاكما وافقا قائلا، وكان هو عليه الصلاة والسلام مذعنا ملبِّيًا نداءه واقفا عند حكمه، وهذه الخاصية كانت من أعظم الأدلة على صدقه فيما جاء به". 

قال الفضيل:«إنما نزل القرآن ليعُمَل به، فاتخَذ الناس قراءته عملا، قيل: كيف العمل به؟ قال: أي ليُحِلُّوا حلاله ويُحرِّموا حرامه، ويأتمروا بأوامره وينتهوا عن نواهيه، ويقِفُوا عند عجائبه».  اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي (ص: 76) 

فأهل القرآن -نسأل الله أن يجعلنا منهم- هم العالمون به والعاملون بما فيه، لا بمجرد إقامة الحروف.

فعلينا أن نُقبِل على كتاب ربنا سبحانه وتعالى لننهلَ منه، ولنستنيرَ به في الظلمات، ولا نكون من الهاجرين له المعرضين عنه..

 

أَكْــرِمْ بقــومٍ أَكْرَمُـــوا القُرآنـــا                          وَهَبُـوا لَــهُ الأرواحَ والأَبْـدَانــا

قـومٌ قـد اختــارَ الإلــهُ قلوبَهُــمْ                        لِتَصِيرَ مِنْ غَرْسِ الهُـدى بُسْتَانـا

   زُرِعَتْ حُروفُ النورِ بينَ شِفَاهِهِمْ                   فَتَضَوَّعَتْ مِسْكًـا يَفِيـضُ بَيَانَـا

رَفَعُوا كِتابَ اللهِ فـوقَ رُؤوسِهِــمْ                     لِيَكُونَ نُـورًا في الظــلامِ فَكَانــا

سُبحانَ مَنْ وَهَبَ الأُجورَ لأهْلِهَـا                    وَهَدى القُلُوبَ وَعَلَّـمَ الإنسانـا

أسأل الله تعالى أن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، وجلاء همومنا وأحزاننا، وأن يرزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيه عنا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
              

   بقلم الدكتور محمد فضل نور الدين 
 مدرس التفسير وعلوم القرآن بكلية أصول الدين جامعة الأزهر
دكتوراة في التفسير وعلوم القرآن الكريم بتقدير مرتبة الشرف الأولى
إجازة في القراءات العشر الصغرى من طريقي الشاطبية والدرة.

مقالات  ذات صلة
تعلم القرآن الكريم عن بُعد مع أكاديمية تواقة؟
كيف أحفظ القرآن الكريم مع ضيق الوقت؟
فضل تلاوة القرآن الكريم
ما معنى تواقة؟
فضل القرآن العظيم
الإمام نافع المدني
مقدمة عن القراءات القرآنية
آداب تلاوة القرآن الكريم

أكمل القراءة